*** الموت المعنوي .... لماذا يسيطر على البعض .....؟ !!! ***
لو عرفت على سبيل الافتراض إنك ستموت بعد ساعة من الزمن!
فماذا ستفعل في هذه الهنيهة الصغيرة؟!
حتماً سترتبك وتتوارى خلف ظنون نفسك وتخاف وتجزم
بأن اغتراف المزيد من الملذات في الحياة لم يعد له طعم الآن!
البعض سيتجه إلى العبادة والاستغفار،
والبعض الآخر سيتصل بالأهل والمحبين لتوصيتهم وتوديعهم ..
وفئة من الناس ستصاب بحالة هستيرية غريبة،
فكل سيتشكل بشاكلته.
ولعلي طرحت هذا السؤال الوجداني رغبة في معرفة الاتجاه
الذي يسير عليه الانسان في هذا الزمن السريع،
وليفرمل الفرد اندفاعه المتهور نحو مسارات غائبة المعنى والهدف.
لنفهم أنفسنا كيف نعيش في غصة تقتل في أعماقنا الفرحة والسعادة والرضا،
فالعصر الذي نعيش فيه بات يدور في دورة سريعة الإيقاع،
مادية الهدف .. لا أحد في مجتمعنا إلا ويشكو الكلل والملل والضجر،
كل يشعر بالكآبة والمرارة. قد نلقي باللائمة على الزمن .. الظروف،
ولا نعلم أنها خلفية شخصياتنا وأنفسنا، وكل شيء في داخل هذا المركب
المعقد في جسد الانسان يصاب بالعطب والخلل. فللحواس ملذات
وللروح ملذات أيضاً كما قال رسول الله (ص):
((ان الأرواح تكل كما تكل الأبدان)).
تعب الأرواح يعود إلى تلك الخصال الخبيثة التي تكتسي ثياباً سوداء قاتمة:
كالضغينة، الحقد، الحسد، النميمة، الغيبة، الغيرة .. الخ،
والوصولية على أكتاف الآخرين والمصالح المادية التي تضرب
في سبيلها كل القيم والأخلاقيات كل المعاني السوداء التي
تتشربها مسامات الروح فتتألم مهما حاول الجسد أن
يشبع نهمه من كل ملذات الحياة، يبقى في جوف
الانسان إحساس داخلي يصرخ ويئن .. والمحتوى
الداخلي للانسان يعكس تصرفات سلبية في
الشخص .. وأحياناً عدوانية على الذات
والآخرين فيبقى الوجدان متعطشاً
إلى مثالية الانسان النضاحة بالخير
والاطمئنان، فينعدم الاستقرار
النفسي وتصبح الانفعالات صاخبة تحطم بمعاولها كل الراحة والدفء،
ولعلنا سمعنا عن الكثير من الشخصيات الثرية والمشهورة قد ضاقت
بها الدنيا فلجأت إلى الانتحار، رغم ان كل وسائل اللذة والسعادة
الموهومة كانت متوفرة لها.
فالسعادة قناعة داخلية ومشاعر متشربة في عمق الوجدان
والروح يحسها الانسان حتى لو كان بحاجة
ماسة إلى شيء ناقص فيه.
يحكى أن ملكاً ثرياً يملك كل ما لا يخطر على قلب بشر،
كان تعيساً محزوناً .. سمع عن صياد فقير يرتدي قميصاً أزرق لكنه
سعيد مبتهج في حياته .. طلب الملك رؤيته،
فلما رآه سأله: ما سرّ سعادتك رغم انك معدم وفقير؟!
ضحك الصياد وقال: كيف لا أشعر بالسعادة وأنا محاط بكل هذه النعم؟
اندهش الملك وقال: أية نعم؟
أجاب الصياد على الفور:
الأمان، الصحة، القوة،
البحر العميق الذي أخاطبه كل يوم،
ابتسامة الزوجة في وجهي كل صباح، حنان الأولاد ..
إنني راضٍ وقنوع بما وهبني الله عزوجل،
فلربما أن وهبني أكثر من ذلك فلن أحس بهذه السعادة.
طلب منه الملك أن يعطيه القميص الأزرق
فلربما أصابته عدوى السعادة من ذلك الصياد!
وقد يكون الانسان يحمل قناعاته النفسية بكل النعم لكنه يعجز
عن التفكير فيها والتعبد في مضامينها، فاللهاث وراء
سراب الماديات والكماليات غير الضرورية يتعب
الروح، والحرص على مراقبة الآخرين وإحصاء
خيراتهم وثرواتهم يثير الحسد والغيرة،
وتصيد عيوب الخلق يثقل القلب، الجري
وراء المستحيل يفجر المرارة في
جوف الانسان، فهذا الجسد الطيني
شيء زائل، يذوب ويضمحل
مع تقدم العمر، لكن الروح تبقى،
المحتوى النفسي يبقى ويشع دفئاً وحرارة
حينما يعرف الانسان كيف يتعامل مع الحياة ببساطة
ومرونة وتكيف وقناعة، فالابتسامة الدافئة تمزق أغلال
الروح المتعبة، لأن الرضا بما قسم الله لنا هو عين الحكمة ..
هو أجمل إحساس يضفي النور على قلب المخلوق
خصوصاً عندما يلهج لسانه بإيمان صادق ويقين
ثابت بأن ما قدّر لنا هو خير لنا، فتهدأ الروح
ويسكن القلب في روضة السعادة الحقيقية
((اللهم رضِّني بقضائك فلا أحب تعجيل
ما أخرت ولا تأخير ما عجلت)).
الحياة موازنات كل شيء فيها متوازن بحيث يتساوى
البشر في المعطيات الربانية ولأن الله سبحانه عادل في
توزيع النعم، أو سلب بعضها على حساب بعض. ولنفهم
ان لكل شيء حكمة غائبة، سرها محفوظ، فلماذا كل هذا
النزف والألم والضجر والتحسر على ما يملك الآخرون،
فالحياة رائعة وجميلة بمعانيها ومسراتها النفسية،
فحب الناس والتفاؤل، والأمل، والغد المشرق
ستضيء شموعاً في طريقنا.
في كل صباح حينما ينهض الفرد منا يقف طويلاً أمام المرآة
لتحسين شكله ولتجميل وجهه، لكن هناك مرآة أخرى
يجب أن نرى فيها قلوبنا ومرآتنا هي عين
الله المتفقدة الناظرة من بعيد إلى كياننا.
فلنحرص على تعطيل الملامح القاسية من قلوبنا وترك
الأخلاق الضارة من أرواحنا حتى تظهر جوارحنا، فالذنوب
هي مصدر الشقاء والتعب الداخلي للانسان. فهذه الشوائب
الفاسدة تؤلم الروح التي تتنفس الهواء الملوث من مساماتها
الشفافة فتشقى، بينما صلاح النية وصفاء السلوك يطهران
الأرواح فنراها تزغرد كالعصور كل صباح وحتى آخر اليوم،
خفيفة، رقيقة، هادئة، متوازنة، مسالمة. فلو جاء
الموت لهؤلاء البشر وهم على هذه الشاكلة
فسيلقون الله بوجه صبوح كله نور وسلام،
ولن يخشوا الموت حتى لو كان بعد ساعة،
أو دقيقة لأنهم انتهجوا النهج السليم المعافى.
وعندما تتعفن بؤرة الروح ستخبث السريرة ويثقل الانسان
ويفرز في كل لحظة ودقيقة صيغاً من الحزن والعدوانية
والسلوكيات الفاسدة وسيسودّ وجهه دنيا وآخرة،
ولهذا سيصاب بنوبة جنون ورعب حينما يداهمه الموت
منقول